هبوب نيوز : مقالات
الدكتور النذير إبراهيم محمد أبوسيل المستشار القانوني الدولي – مبعوث المحكمة الدولية لتسوية المنازعات المستشار الاستراتيجي ومسؤول ملف السودان للتنمية المستدامة السفير الفخري لمنظمة UNASDG
مقدمة: بين النعمة النقمة
السودان ليس بلداً كسائر البلدان، بل قارة مصغّرة تختصر تنوع الأرض والإنسان، وثراء الطبيعة والتاريخ.
هو الوطن الذي تلتقي فيه الأرض الخصبة بالمياه الدافقة، والذهب بالنفط، والجبال بالسهول، والبحر بالصحراء، ليشكّل لوحة جغرافية لا مثيل لها في إفريقيا والعالم العربي.
ومع ذلك، فإن هذا البلد العظيم يعيش ألم الحرمان وسط وفرة النعمة، ويمتلك كل أسباب النهوض بينما يُقيَّد بسوء الإدارة، والفساد، وغياب الرؤية الوطنية الجامعة.
فكيف لبلد يملك ما يُغني العالم، أن يعجز عن إطعام أطفاله؟
وكيف لشعب من أكرم شعوب الأرض أن يُختبر كل يوم بالجوع والنزوح والمعاناة؟
إنها ليست مأساة الموارد، بل مأساة غياب الضمير والحوكمة والعدالة.
أولاً: السودان… خزائن الأرض المفتوحة
إن السودان اليوم يقف على كنوز لو أُحسن استغلالها، لأصبحت منارات للعالم في التنمية والسلام.
أكثر من 200 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة.
أكثر من 120 مليون رأس من الثروة الحيوانية.
احتياطيات ضخمة من الذهب، والنفط، والنحاس، واليورانيوم.
موارد مائية هائلة من نهر النيل وروافده والمياه الجوفية.
موقع جغرافي فريد يجعله بوابة إفريقيا نحو العالم العربي.
تنوع بيئي وثقافي يمكن أن يجعل منه عاصمة للسياحة البيئية والتاريخية.
إنها ثروة لا تحتاج سوى الإدارة والعلم والإرادة لتتحول من “لعنة الموارد” إلى “معجزة التنمية”.
ثانياً: مسؤولية الدولة وضمير الأمة
القانون الدولي واضح:
“الموارد الطبيعية ملك للشعوب، والدولة مؤتمنة عليها، لا مالكة لها.
إن أي حكومة تُضيّع هذه الأمانة، أو تسمح بنهبها وتهريبها أو إساءة إدارتها، إنما تعتدي على حق الشعب في الحياة والكرامة.
ومن هنا، فإن المجلس السيادي الانتقالي وحكومة الأمل السودانية أمام اختبار تاريخي:
إما أن يكتبوا أسماءهم في سجل النهضة الوطنية، أو في ذاكرة الإخفاق والضياع.
حماية الموارد واجب وطني،
واستثمارها مسؤولية أخلاقية،
وإدارتها بعدالة هو لبّ بناء الدولة المدنية الحديثة.
ثالثاً: خريطة الطريق نحو السودان الجديد
لكي نخرج من دائرة الحرب والفساد والفوضى، لا بد من خريطة طريق وطنية شاملة تتضمن:
1/ تأسيس هيئة وطنية عليا للموارد الطبيعية تشرف على كل العقود والتراخيص، وتخضع لرقابة البرلمان والمجتمع المدني.
2/ تبني الاقتصاد الأخضر المنتج الذي يجمع بين التنمية والبيئة، وفق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (2030).
3/ مكافحة تهريب الذهب والثروات المعدنية وتوجيهها لصالح التعليم والصحة والبنية التحتية.
4/تفعيل الزراعة والصناعة المحلية لتصبح السودان سلة غذاء لإفريقيا والعالم العربي.
5/حماية البيئة والتنوع البيولوجي عبر برامج لإعادة التشجير ومكافحة التصحر وتدوير الطاقة والمياه.
6/ إشراك الشباب والنساء في مشاريع التنمية الوطنية بوصفهم قاطرة المستقبل.
7/ إعادة الثقة مع المجتمع الدولي عبر شراكات نزيهة قائمة على المصالح المشتركة لا التبعية السياسية.
رابعاً: من الحرب إلى النهضة – من اليأس إلى الأمل
لقد أنهكت الحرب جسد الوطن، ودمّرت المصانع والقرى، وحرقت الغابات، ودفنت الأمل.
لكن التاريخ لا يُكتب بالدم فقط، بل بالإرادة أيضاً.
فكما قاوم السودان الاستعمار، يستطيع اليوم أن يقاوم الفقر والفساد والعبث بالثروة.
النهضة الحقيقية لا تبدأ من السياسة، بل من الأخلاق والعلم والشفافية.
وعندما تعود القيم إلى الدولة، يعود النيل للخير، والأرض للإنتاج، والإنسان للكرامة.
خامساً: نداء إلى المجلس السيادي وحكومة الأمل أيها السادة في المجلس السيادي الانتقالي،أيتها الحكومة الوطنية القادمة – حكومة الأمل،إن مسؤوليتكم أمام الله والتاريخ والشعب ليست في إدارة أزمة، بل في بناء وطن.افتحوا أبواب الحوار، لا أبواب الحرب.أعيدوا الثقة بين المواطن والدولة.واجعلوا من موارد السودان مشروعاً قومياً يوحد لا يفرق، يبني لا يهدم، ويُغني لا يُفقِر.
خاتمة: نداء إلى العالم
أيها العالم .. إن السودان لا يطلب عطية، بل عدالة.
لا يطلب شفقة، بل شراكة.هو بلد أعطى للعالم أرضاً وزراعة وثقافة وإنساناً عظيماً، لكنه لم يأخذ إلا الجراح.
فهل يُعقل أن تضيع قارة في دولة؟وهل يُعقل أن تُهدر ثروات تكفي لإعمار إفريقيا بأسرها؟
آن الأوان أن يسمع الجميع صوت السودان الجديد،
صوت الشعب الذي يقول:
“كفى حرباً… كفى فساداً… كفى ضياعاً.”
إن السودان إذا نُهض على أسس العدالة والشفافية والعلم، فسيكون منارة إفريقيا وضميرها الأخضر، وشاهداً على أن الشعوب حين تنهض من رمادها، تصنع المعجزات.