هبوب نيوز : مقالات
في تطور مقلق للعلاقات السودانية الإماراتية أفادت مصادر صحفية أن السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة احتجزت عدداً من أعضاء البعثة الدبلوماسية السودانية بالقنصلية العامة في دبي من بينهم نائب القنصل المستشار الفني وثلاثة ضباط شرطة ووفقا لما نقلته صحيفة ( متاريس ) فإن عملية الاحتجاز تمت بمطار دبي عقب صدور قرار مجلس الأمن والدفاع السوداني بقطع العلاقات مع أبوظبي
الخطوة الإماراتية التي وُصفت بالاستثنائية أثارت تساؤلات عميقة حول مدى التزام الدولة المضيفة بالاتفاقيات الدولية الناظمة للعمل الدبلوماسي وعلى رأسها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 والتي تعد الركيزة القانونية الأهم لضمان سلامة وحرمة البعثات الدبلوماسية في العالم
وتعود خلفية التوتر إلى تصاعد الاتهامات السودانية للإمارات بدعم قوات الدعم السريع في حربها التي تشنها علي الدوله على إثر ذلك أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني قطع العلاقات مع دولة الإمارات ما أدى إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من الطرف الآخر تجاه أفراد البعثة الدبلوماسية في دبي
وبحسب المصادر فقد تواصلت السلطات الإماراتية مع القنصل العام في دبي بهدف تحديد صفة بعض الأعضاء وتصنيفهم سياسيا ما يرجح وجود نية لطردهم غير أن تطور الأمور إلى احتجاز فعلي داخل المطار يمثل تصعيدا غير مسبوق يُخالف صراحة المبادئ المستقرة في القانون الدولي
ونصوص اتفاقية فيينا ذات الصلة حيث تنص المادة 29 من اتفاقية فيينا( على أن
يتمتع الشخص الدبلوماسي بحصانة من التوقيف أو الاحتجاز ويجب معاملته بالاحترام الواجب له كما يجب على الدولة المعتمد لديها اتخاذ جميع الوسائل المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته )
وتضيف المادة 44 أن
( عندما تنتهي مهام المبعوث الدبلوماسي، تمنح الدولة المعتمد لديها مهلة معقولة لهذا المبعوث ومن يعولهم لمغادرة البلاد حتى في حالات النزاع المسلح )
بناءً على هذين النصين يعد احتجاز أي دبلوماسي أو تأخير مغادرته مخالفة صريحة ومباشرة للاتفاقية خاصة إذا لم يسبق ذلك إعلان رسمي عن تصنيفه ( شخصاً غير مرغوب فيه ) وهو الإجراء الدبلوماسي المعتمد عادة في مثل هذه الحالات
التمييز بين الطرد والاحتجاز:-
—————
ينبغي التفريق بوضوح بين طرد دبلوماسي وإبعاده لأسباب سياسية وبين احتجازه أو تقييد حريته فالدول بحسب المادة 9 من اتفاقية فيينا تملك الحق في إعلان أي دبلوماسي ( persona non grata ) دون إبداء أسباب ويترتب على ذلك مغادرة الشخص للأراضي خلال مهلة مناسبة
لكن تحويل هذا الطرد إلى احتجاز أمني أو تعطيل حرية التنقل يعد تجاوزا خطيرا يضع الدولة المستضيفة في مواجهة مع قواعد القانون الدولي ويظهر تجاهلا للمبادئ المؤسسة للعلاقات بين الدول
المسؤولية الدولية لدولة الإمارات:-
————
إذا ثبتت صحة الوقائع فإن سلوك السلطات الإماراتية قد يصنّف كـ خرق دولي يحمل الدولة المسؤولية وقد يبرر تحركا دبلوماسيا من السودان أمام المنظمات الدولية
مثل:-
رفع شكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة
مخاطبة مجلس الأمن الدولي بشأن انتهاك معايير الحصانة الدبلوماسية
اللجوء إلى محكمة العدل الدولية باعتبار أن اتفاقية فيينا ملزمة للطرفين وأن خرقها يُعد إخلالا بالتزامات دولية واجبة النفاذ
البُعد السياسي والأخلاقي:-
————–
بعيدا عن الإطار القانوني يمثل هذا الحادث تدهورا مؤسفا في الأعراف الدبلوماسية العربية ويضرب في عمق المبادئ التي طالما نادت بها المنظومات الإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي حول احترام سيادة الدول وممثليها
ففي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة صراعات واضطرابات متزايدة كان الأولى بالقيادات السياسية ضبط النفس واللجوء إلى قنوات الحوار لحل النزاعات بدلا من استخدام الدبلوماسية كسلاح انتقامي
إن احتجاز دبلوماسيين سودانيين داخل الإمارات يعد سابقة خطيرة وخرقا سافرا لاتفاقية فيينا ويشكل تهديدا لمبدأ الحصانة الدبلوماسية الذي يعد من ركائز النظام الدولي الحديث وعلى الرغم من التوترات السياسية القائمة فإن احترام الاتفاقيات الدولية يظل واجبا لا يسقط بالتقادم ولا بالمزاج السياسي
السودان ومن خلفه المجتمع الدولي مطالب الآن بموقف حاسم في الدفاع عن قواعد القانون الدولي بما يحفظ كرامة ممثليه ويمنع تكرار هذه السابقة في ساحات دبلوماسية أخرى